العُودة إلى الجذور: سرّ العُولة التونسية

بعد سنوات طويلة قضتها الحفيدة بعيدا عن وطنها، عادت إلى تونس، محمّلة بذكريات طفولتها المبعثرة و حنينها العميق إلى موطنها. لم تعد مجرد زائرة، بل عائدة لتلتقي بجذورها، لتتعلم و توثّق سرّ العُولة (المؤونة السنوية) التي تحافظ على ذاكرة البيت و الهوية التونسية، و تحوّلها إلى  تجربة حيّة تنبض بالتراث و الإبداع

صباح اللقاء: أول درس في العُولة

دخلت الحفيدة البيت العتيق، و وجدت جدتها جالسة على المرقوم (السجادة التقليدية) بابتسامة واسعة، يديها المجعّدتان تنتظران لمسة حفيدتها

. »ابتسمت الحفيدة و قالت: « أنا أعرف القليل عنها، لكن أريد أن أفهم كل شيء

. »أجابتها الجدة بحنان: « ستعرفين اليوم أكثر مما تعرفه الكتب… بعينيك، بيديك و بقلبك

رحلة السوق: اختيار الأدوات الخاصة

في اليوم التالي، أخذت الجدة حفيدتها إلى السوق، حيث تتلاقى الألوان و الروائح و الأصوات. أصوات الباعة، رائحة التوابِل و الخضروات الطازجة، كل شيء يملأ المكان حياة

وقفت الحفيدة أمام محل الأدوات التقليدية و كل شيء كان جديداً عليها: الغُربال (أداة لنخل الحبوب)، المِهراس (الهاون لتفتيت التوابل) و القَصْعة (الطبق الكبير للعجن و الخلط)

قالت الجدة: »اليوم يا بنيّتي ستختارين أدواتك الخاصة،كما كانت تفعل جدّاتنا.

اختارت الحفيدة غربالًا خشبيًا ناعماً، المهراس الكبير و القصعة الواسعة و كل أداة تحمل جزءاً من تاريخ البيت.

جلست الحفيدة على المرقوم، و أخذت الغربال و بدأت تقلّد جدتها، تُزيل الشوائب عن الحبوب و تغربلها بعناية. شعرت بحرارة الشمس على أصابعها، و رائحة التوابل تتصاعد في المكان ثم أخذت المهراس و دقّتها بحركة متأنية، مستشعرة الصبر، الحب و أهمية النظافة، فيما كانت الجدة تذكّرها دائمًا:

« النظافة ليست فقط مرحلة من مراحل إعداد العولة، بل هي اهتمام بالتفاصيل و بركة في العمل، فكل شيء يدخل المقصورة (مكان تخزين العولة) يجب أن يكون نظيفاً و جاهزا للإستخدام »

بعد دقائق من العمل، علّمت الجدة حفيدتها جانباً آخر من روح العُولة. أخرجت الفُوْلَارة الملوّنة (غطاء الرأس) وربطتها برفق على شعرها، علّقت في ساقها الخلخال، ثم استخدمت المَكْحَلَة لتكحّل عينيها بحنان.

ابتسمت الحفيدة أمام المرآة، و قالت: « أشعر أنني تونسية حتى النخاع… حتى في جسدي و روحي. »

بينما كانت تعمل، كانت الحفيدة تلتقط كل شيء بكاميرتها الصغيرة. كل حركة، كل ضحكة، كل رائحة، كانت تُسجل بعناية كل التفاصيل الصغيرة.

اكتشفــوا عــولة افــــاويح

اكتشفــوا عولة قعـر الخابية

بقلم سيريــــــن عبـــــيدي

بصوت زيــنب بوخريـــص

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *